رواية الواجهة … الرواية التي تمنى نجيب محفوظ كتابتها

حينما يكون الأديب فيلسوفًا

منذ حوالي عشر سنوات سمعت عن رواية الواجهة ؛ والتي قال عنها الأديب الكبير نجيب محفوظ أنها “أجمل رواية قرأتها في حياتي” . وهناك من قال أنه في أحد اللقاءات الصحفية قال أن رواية الواجهة هي الرواية التي كنت أتمنى كتابتها.. لا فارق عندي هنا. ففي الحالتين هي شهادة من أديب نوبل الرائع جعلتني أتذرع شوقًا لقراءتها، وبحثت عنها في كافة مكتبات وسط البلد وما حولها ولم أجدها، علمت أنها صدرت عن دار المعارف فذهبت لهم لأسألهم عنها، فقال لي موظف المكتبة أنها لم تعد تُنشَر..! ونصحني ألا أحاول البحث عنها لأن كل محاولاتي ستذهب هباءً. ولن أجدها في النهاية…!

فضولي الأدبي جعلني لم استسلم في الحقيقة، وسألت عنها كل أصدقائي إلى أن حصلت أخيرًا على نسخة منها، جاءتني هدية من أحد أصدقائي وكانت فرحتي آنئذٍ لا تقدر بثمن، لدرجة أنني انتحيت جانبًا في أحد مقاهي وسط البلد وأخذت أقرأ فيها وأنهل منها.

افتتاحية رواية الواجهة

أود أن أتحدث في البداية عن افتتاحية تلك الرواية، أو بالأحرى أول سطر فيها:

“لا يذكر من أين أتى، ولا لأي غرضٍ جاء. ولكنه في صباح أحد الأيام وجد نفسه في هذه المدينة التي لا يعرف عنها شيئًا…”.

في البداية نجح الكاتب أن يأخذ بتلابيبي من أول سطر، واستخدم أسلوب مشوق للغاية ليجعلني لا أطرف، أو انتبه للنادل الذي سألني ماذا أريد أن أشرب، أو أبرح من مكاني بعدما مرَّت عليَّ ساعة ونصف وقد وصلت إلى الصفحة الثالثة والستون. واستمريت إلى أن وصلت للصفحة المائة وبالكاد نهضت لأرحل، أكملت قراءتي في المواصلات إلى أن وصلت منزلي وأكملت أيضًا إلى أن انتهيت منها عند أذان الفجر.!

وقفت بعدها في وسط الغرفة عاقدًا يدي أمامي، مبتسمًا ناظرًا بطرف عيني إلى لا شيء. أفكر فيما فعلته بي رواية “الواجهة” وما قدمه لي د. يوسف عز الدين عيسى..!! بأسلوبه المشوق الساحر.

المواضيع التي تناولتها الرواية

تناولتْ رواية الواجهة – التي بلغت في الأهمية ذروتها – ملايين الاسئلة التي تدور داخل النفس البشرية عمومًا، استطاع بواسطة البطل “ميم نون” وباقي شخوصه أن يصف الشجار الطاحن الذي يدور كثيرًا بين عدة أشخاص، هم في النهاية ليسوا إلا شخص واحد بداخلنا. وكان الكاتب طوال كتابته لهذا العمل كالذي يسير على خيطٍ رفيعٍ إن سرح لبرهة، أو أخذته سنة من الغفلة، سينهار العمل كله. لكنه أثبت أنه كان نابهًا منتبهًا طوال الوقت.

أيضًا، أثبت لنا أن نَفَسَهُ طويل جدًا، وأخذ يسرد لنا – بلا هوادة – رحلة البطل، وبحثه عن الحقيقة طوال الرواية مستخدمًا أعلى درجات الإثارة والتشويق، حتى أنني انتابتني حالة من الحزن حينما وجدت نفسي – دون أن أدري – قد اقتربت من النهاية. وأوشكت من ترك “ميم نون”… وبالكاد كنت التقط أنفاسي وأنا أركض لاهثًا وراء الصفحات. نعم… كانت أنفاسي متسارعة كالذي يركض خلف قطار..!

فلسفة الأديب يوسف عز الدين عيسى

قليلة هي الأعمال التي تناقش قضايا بطريقة فلسفية في إطار أدبي، وبأسلوب أدبي راقي وبسيط خالٍ من أي تعقيد أو استعراض. رواية الواجهة أحد هذه الأعمال، والمثير للدهشة هنا أن القارىء لم يجد سطرًا مملاً قط، لن يجد كلمة واحدة كحشو.. بل على العكس. فكل صفحة بها حدث جديد أو حدثين… وربما أكثر، والخط الدرامي يسير بالقارىء للأمام دائمًا دون أن يتوقف ولو في سطرٍ واحد.. مما جعلني أشعر بعدة مشاعر في آنٍ واحد، وتصدر من عضلات وجهي عدة ردود فعل في آنٍ واحد..!

كل الاسقاطات والرموز التي استخدمها الكاتب لا يختلف عليها اثنين ابتداء بـ “مالك المدينة” و”البالوعة” مرورًا بـ “القطار” ، “السيارات السوداء” ، “الشاعر” ، “مكتب الاستعلامات” ، “مكتب الشكاوى” … انتهاءً بالشارع الخلفي والمبنى العالي.

استطاع الكاتب استخدامهم وتوظيفهم في بناء فكرته عن الوجودية والعدمية والأسئلة التي تدور في ذهننا جميعًا حول الحياة والموت وما بينهما، لا يوجد شخص لم تتحرش بعقله مثل تلك الأسئلة يومًا ما… ربما هذه الأسئلة هي ما دفعت الكاتب أن يكتب روايته تلك، فاستخدم كل الرموز السابقة لتوضيح ما يدور داخل النفس البشرية، وترسيخ فكرة “البحث عن الحقيقة”…

روايات غرفة الانتظار، عواصف، العسر المر

إسقاطات الرواية

أيضًا كان يوجد اسقاطات سياسية مثل “الطاحونة” و “الغلاء المستمر” بالمطعم والمتاجر… وبطبيعة الحال فالرواية كتبت في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. الفترة التي شهدت منعطفًا خطيرًا في غلاء الأسعار… وللحق؛ فالرواية تنطبق أحداثها في كل زمان. واليوم تحديدًا..! ليس في المجتمع المصري فقط.. بل العربي أيضًا… وربما العالمي.

نهاية الرواية كانت موفقة تمامًا، مما رسخ لديَّ أكثر فكرة أن الكاتب يملك نفسًا طويلا وحافظ على الروعة والإثارة والتشويق من أول كلمة حتى كلمة “تمت”…

حصلت الدار المصرية اللبنانية ، مؤخرًا، على حقوق إعادة نشر العمل، وطباعتها في نسخة راقية تليق بعملٍ كهذا، وغلاف رمزي معبر جدًا ينم عن رمزية العمل في الأصل. وإخراج بلغ في الجمال قمة الكمال. وجاءت بتقديم من الأديب الرائع أ. سعيد سالم.

أيضًا قامت الدار بنشر رواية الكاتب الأخيرة (عواصف) والتي لم تنشر من قبل. كما نشرت روايتي (العسل المر) و (غرفة الانتظار) و (الرجل الذي باع رأسه) والتي أرشحهم للقراءة بقوة. وربما أفرد لهم مقالات هنا في موقعي الرسمي

نصيحة لمن سيقرأ رواية الواجهة

عزيزي القارىء… نصيحة أخيرة.. يجب عليك التحلي بالحيادية التامة عند قراءتك لهذا العمل، وأن تتخلى عن كل ما هو متعصب.. فالكاتب عرض من خلال شخوصة كل الأسئلة التي تعتمل بداخل النفس البشرية، وهذه حقيقة شئنا أم أبينا… الحقيقة التي يبحث معظمنا عنها، كما فعل بطل الواجهة “ميم نون”…

Comments are closed.

رجوع
Telegram
Messenger
قناة اليوتيوب
Instagram

Fatal error: Uncaught TypeError: strtoupper() expects parameter 1 to be string, null given in /home/nachcoqv/amiratef.com/wp-content/plugins/wp-rocket/inc/Engine/Optimization/LazyRenderContent/Frontend/Processor/Dom.php:145 Stack trace: #0 /home/nachcoqv/amiratef.com/wp-content/plugins/wp-rocket/inc/Engine/Optimization/LazyRenderContent/Frontend/Processor/Dom.php(145): strtoupper(NULL) #1 /home/nachcoqv/amiratef.com/wp-content/plugins/wp-rocket/inc/Engine/Optimization/LazyRenderContent/Frontend/Processor/Dom.php(107): WP_Rocket\Engine\Optimization\LazyRenderContent\Frontend\Processor\Dom->add_hash_to_element(Object(DOMElement), 2, '\t<!DOCTYPE html...') #2 /home/nachcoqv/amiratef.com/wp-content/plugins/wp-rocket/inc/Engine/Optimization/LazyRenderContent/Frontend/Controller.php(155): WP_Rocket\Engine\Optimization\LazyRenderContent\Frontend\Processor\Dom->add_hashes('\t<!DOCTYPE html...') #3 /home/nachcoqv/amiratef.com/wp-content/plugins/wp-rocket/inc/Engine/Optimization/LazyRenderContent/Frontend/Controller.php(128): WP_Ro in /home/nachcoqv/amiratef.com/wp-content/plugins/wp-rocket/inc/Engine/Optimization/LazyRenderContent/Frontend/Processor/Dom.php on line 145